هذه قصة حقيقية أخبرني بها شاهد عيان ...
كان هذا المدرس القديم في الحسكة في السرفيس أكثر المناطق صحراوية و بعداً في الحسكة...و كان برفقتهم فتاة شابة معينة حديثاً في المسابقة الأخيرة في قرية على خط سير هذا السرفيس في منطقة من أبعد المناطق و أكثرها انعزالاً ليس في سورية فقط بل في العالم كله...و بعد ساعات من السير في الصحراء القاحلة بعيداً عن كل أثر للعمران ظهرت في الأفق ملامح قرية...و عندما وصلوا إليها أخبر السائق الشابة الصغيرة الوحيدة و البعيدة عن أهلها و التي ربما تغادر منزلها لأول مرة في حياتها أن هذه البضعة بيوت من الطين في الصحراء هي القرية التي عينت فيها و أن هذا البناء الطيني القديم هو المدرسة التي عليها أن تسكن بها لوحدها...و نزلت الفتاة من السرفيس في حوالي الساعة الثالثة ظهراً بعد 12 ساعة من السفر في صحراء قاحلة لوحدها وسط مسافات شاسعة من اللاشيء و اللاأحد و بضعة بيوت من الطين...فما كان من الفتاة إلا أن انهارت و أجهشت بالبكاء و هي تقول
هذه هي المدرسة...!!! هذه هي الضيعة...!!! مشان الله لا تتركوني لحالي هون أنا لا أعرف أحداً هنا...)...و بعد فترة من البكاء المرير طلب منها الركاب أن تتخلى عن هذه المسابقة و تعود لقريتها ...لكنها رفضت قائلة إنها لا تستطيع لأنها بحاجة ماسة للعمل و لنقود العمل...و يروي شاهد العيان أنه تردد أكثر من مرة في عرض المساعدة على هذه الفتاة و البقاء معها بقية اليوم لمساعدتها على تدبر أمرها...و لكنه لم يفعل و ندم على عدم مساعدتها...و سار السرفيس و ترك خلفه تلك الفتاة الشابة وحيدة في صحراء قاحلة تناضل للنجاة بين الرمال...
و عندها فقط أذكر علي سعد و كرمه بتعيين المدرسين في الحسكة أو دير الزور أو الرقة بأسلوب أشبه ما يكون بأسلوب السخرة و العبودية الذي كان متبعاً في القرون الوسطى...بينما يقوم بتثبيت حاملي البكالوريا بوظائف تدريسية في محافظاتهم بعد تدريس خمسمئة ساعة فقط...بينما يعطي المدرس العادي الذي يحما إجازة جامعية قبل تعيينه و بعده أكثر من خمسة آلاف ساعة في السنة و مع ذلك لا يعين و إن عُين يتم تعيينه في الحسكة...!!! فكيف لو كان على تلك المدرسة أن تخضع بعد هذا لدورة دمج التكنولوجيا و أن يكون عليها النجاح بها ليتم تثبيتها....ثم عليها أن تحضر الدروس إلكترونياً في تلك المدرسة...أليس من الأفضل لو زبطوا المدرسة أولاً ثم أحضروا لهذه المدرسة كومبيوترات ثانياً ثم إنترنت ثالثاً قبل أن يتفلسفوا بدمج التكنولوجيا...و أين عليها أن تحضر دروس دمج التكنولوجيا...خلف التنور أم في المراعي...!!!...الله أعلم...
و شتان بين قصة هذه الفتاة و تلك التي أرسلت سالة تتحدث عن استمتاعها بالذهاب للحسكة...و يزول العجب عندما تعلم أنها قد انتقلت بعد شهر واحد فقط لكونها متزوجة...فهذه رحلة سياحية و لا يمكن اعتبارها غربة...و أستغرب كيف ترسل لنا رسالة عن خبرتها في الغربة و استنكارها لمن يكره البقا في الحسكة...لربما لو بقيت خمس سنوات لغيرت رأيها و الله أعلم...و إن كانت تحب الحسكة كثيراً فأدعو الله معي أن تعود للحسكة لتبقى فيها خمس سنوات لمزيد من الاستمتاع و الخبرة...و أتحداكم عندها أن تقوم بإرسال رسالة مماثلة عن استمتاعها بالتعيين في الحسكة مرة ثانية...